هذه معظم الرسائل والعبارات التي تملأ العناوين الرئيسية في الصحف المحلية ، وتنقلها وسائل الاعلام المختلفة من اذاعة وتلفزيون بشكل يومي على ألسنة النواب والمحللين والأكاديميين والكتاب والنشطاء المهتمين في الشأن السياسي الداخلي .. ولاأعتقد أنها بشكل أو بآخر تخفى على سمو رئيس الوزراء الشيخ ناصر المحمد الصباح ، بل أكاد أجزم تماما أنها تأتيه يوميا قبل أن ينطق صاحب العبارة بعبارته أو يفكر صاحب الخاطر بخواطره ، بل قد يصل الأمر إلى أكثر من ذلك .. بأن سمو الرئيس نفسه من خلال مستشاريه العظماء - الذين أضاعوا مستقبله السياسي - قد يساهم بشكل رئيسي في صياغة مثل هذه السيناريوهات وترويجها في الشارع العام ، وما أكثر الأتباع والمرتزقة الذين لا يترددون في بيع الكويت ومستقبلها مقابل الدرهم والدينار ..
ذكرت في المقال السابق كيف دارت الدوائر على سمو الرئيس وأصبحت المساءلة اليوم مطلبا شعبيا مهما ، وأصدق دليل على ذلك تزايد عدد الاستجوابات المقدمة إلى سمو الرئيس ، بغض النظر عن مادة الاستجواب - إن كانت معتبرة فنؤيدها أو سقيمة فنرفضها -ولكن المهم في الموضوع أن التذمر الشعبي قد وصل إلى أقساه .. والسؤال الذي نكرره مرات ومرات ، ولم أجد إلى اليوم له إجابة يستطيع أن يستند عليها رئيس الوزراء .. وين بتروح يا سمو الرئيس ؟؟
نبدأ بالعموميات ثم نقلص الدائرة أكثر فأكثر ..
المخرج :
الحل الأنسب .. لسمو رئيس الوزراء وآخرين من أبناء الأسرة أن يذهب مجلس الأمة ومن فيه أدراج الرياح دون عودة بحل غير دستوري طويل الأمد ، فتكون بذلك الحلقة الأخيرة من مسلسل الديمقراطية الكويتية الذي بدأ منذ أكثر من نصف قرن من الزمان ورسخه الآباء والأجداد يدا بيد مع الأسرة الحاكمة العزيزة والمقدرة .. ففي ذلك تكريس للسلطة الفردية وقبضة الرجل الواحد، ولا مجلس أمة يؤزم ، ولا ضغوطات نيابية ، ولا محاسبات ولامتابعات ولا مساءلات ولا مزايدات ولا .. ولا .. ولا .. ولا .. إلى آخره
ليش لأ :
لأ .. لأن هذا القرار بيد أمينة .. بيد صاحب السمو أميرالبلاد الذي أثبت منذ أيام قليلة تمسكه بما رسخه الآباء من ثوابت الديمقراطية قائلا على لسان الراشد : " بأنه والأسره متمسكان بالديمقراطية وهي في دمائهم ، وأنه لا مانع لديه من الاستجوابات ولو طالت رئيس الوزراء نفسه "
لأ .. لأن الشعب الكويتي تربى على قول كلمة الحق ولو لم تعجب السلطة .. تربى على ممارسة الديمقراطية بكل حرية دون قيد أوشرط .. تربى على حرية الكلمة في إطار الأخلاق العامة والمحافظة على الثوابت مصونة .. وأحذر الحكومة بأن أي تلاعب بالدستور أو محاولة لتجميده أو تحجيمه ، فإنها ستصتدم بحملات شعبية شرسة لا تحمد عقباها ، وليست " دواوين الاثنين " و "نبيها خمس " و " حرياتنا لن تمس " و " دستورنا خط أحمر " ببعيدة عن ذاكرتنا ..
المخرج :
الحل الدستوري .. ليس بالحل الأمثل بالنسبة لسمو الرئيس ولكنه أخف الأضرار ، فابتعاد مجلس الأمة عن الساحة السياسية وانشغال النواب الأفاضل بالانتخابات الطاحنة لمدة شهرين ، قد يفتح المجال أمام الحكومة ورئيسها الموقر بالمضي قدما بالكثير من المشاريع دون رقيب أوحسيب .. لا بأس بأن يسرق من يسرق ، وينهب من ينهب ، ويخالف من يخالف .. ولكن الأهم هو وضع الأجندة الحكومية على الطريق " الناصري " دون ازعاج نيابي أو مساءلة شعبية .. " إن كانت هناك أجندة !! " ..
كذلك هي فرصة حكومية لتغيير الخريطة النيابية ودعم العناصرالموالية ، التي لا يردعها أي ضمير أو مبدأ أو دستور لرفع شعار" ناصر المحمد خط أحمر " ، هذه العناصر لن تتوانى لحظة واحدة عن بيع أغلى ما يملكه الانسان من قيم مقابل " الكرسي الأخضر " ..
لأ .. لأن حكومة ناصر المحمد قد اختبرت هذه التجربة مرتين خلال ٣ سنوات ، ولم تنجح كل المحاولات الحكومية في رسم نتائج الانتخابات كما تشتهي .. لسببين :
أولا : هناك أقطاب أخرى داخل الأسرة الحاكمة تسعى جاهدة لإفشال ناصر المحمد بسبب التنافس العنيف على ترتيب كراسي الحكم والإمارة .. وعندما نعلم بأن هذه الأقطاب أكثر عددا وصفوفها أكثر تنظيما وتأثيرا على الشارع الكويتي .. فإننا نستطيع التنبؤ بأن فرصة سمو الرئيس في اضعاف صف المعارضة ستكون ضئيلة جدا ، إن لم تكن معدومة ..
ثانيا : التجمعات والتكتلات السياسية الأكثر تنظيما اليوم ، والتي تحظى بفرص أكبر للرجوع إلى قاعة عبدالله السالم ، والتي كانت متعاونة إلى آخر درجة مع حكومات المحمد السابقة ،أصبحت في طليعة صفوف المعارضة ولن ترضى بأن تستمر هذه الطريقة العقيمة التي تدار بها البلاد .. " كحدس وبعض نواب السلف كالطبطبائي والبرغش وهايف " ..
المخرج :
حل الحكومة .. وفيه إخراج لسمو الرئيس من حرج صعود المنصة واستقبال " اللكمات النيابية الموجعة " ، وكل الكويت تعلم بأن هذا الحل لن يعجب الشيخ ناصر المحمد لأنه سيضعف فرص رجوعه إلى كرسي الرئاسة ، ومن ثم الخروج عن طابور الامارة .. ولكنه على الأقل سينهي مسلسل المساءلة ويفتح صفحة جديدة مع السلطة التشريعية ..
نحن نعلم بأن قرار تعيين رئيس الوزراء هو بيد صاحب السمو أميرالبلاد ونحترم ذلك ونقدره ، إلا أن رجوع ناصر المحمد على رأس الهرم الحكومي يعني وبكل بساطة المزيد من التذمر الشعبي والضغط النيابي على الحكومة الجديدة ، وهذا يعني أن حكومة المحمد الجديدة ستجري سريعا نحو طريق مسدود من البداية ..
استجوابات تنتظر الرجوع .. نواب أنيابهم مكشرة .. شعب وصل إلى حالة اليأس .. وبعدين ؟!!
المخرج :
إحالة الاستجوابات إلى المحكمة الدستورية أو اللجنة التشريعية .. وهذا الحل بمثابة المسكن للألم ، حيث سينال سمو الرئيس المزيد من الوقت لتعديل ما يستطيع تعديله ، وإبرام أكبر عدد من الصفقات التي تضمن استمراريته لو بشكل مؤقت .. وتستمر الحكاية من هروب إلى هروب إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا ..
لأ .. لأن مسألة المحاسبة لن تقف عند حد إحالة ٣ استجوابات ، فبين الحين والآخر نسمع عن تلويحات وتهديدات باستجواب رئيس الوزراء آخرها " للشعبي والغانم " .. وإذا افترضنا جدلا بأن المحكمة الدستورية ألغت الاستجوابات بسبب بعض الأخطاء والمشاكل الدستورية .. فهل يعتقد سمو الرئيس بأن حدس أوالمسلم أو هايف سلبت حقوقهم في تقديم استجواب آخر ..؟؟
المخرج :
تحويل الجلسة إلى سرية .. " وذلك أضعف الإيمان " .. على الأقل لن يضطر سمو الرئيس إلى الإجابة على التساؤلات والاتهامات أمام الشعب الكويتي كله .. " وكلها مسألة ساعة أو ساعتين أوثلاث وتعدي الأزمة "..
لأن مقدمي الاستجوابات وغيرهم كثير من شرفاء مجلس الأمة يرفضون هذه الممارسات السلبية من قبل الحكومة وأعوانها ، هذه الممارسات التي أفرغت الدستور من محتواه و خالفت روحه وغاياته وأهدافه .. وكل المستجوبين اليوم يدرسون الخطوة القادمة ، فيما إذا نجحت الحكومة " بقوة الدينار " من جعل جلسة الاستجواب سرية .. فمنهم من قرر المضي في المساءلة ومنهم من يدرس الانسحاب - احتجاجا - ثم تقديم الاستجواب مرة أخرى .. ولو فرضنا جدلا كذلك أن جميع جلسات الاستجوابات كانت سرية ، فمن يصدق بأن تفاصيل الجلسات لن تخرج للشعب كما لو كان يشاهدها فعلا .. " يا أخي الحيطان لها ودان " ..
وصدقني عزيزي القارئ لو أن سمو رئيس الوزراء قد فهم روح الدستور وأقر بما جاء به ، لما رضي أن يبقى في كرسيه ساعة واحدة بعد اليوم .. تنص المذكرة التفسيرية لدستور الكويت : "رئيس مجلس الوزراء الذي يصل تبرم مجلس الامة به ومعارضته لسياسته حد تعريض المجلس نفسه للحل وتعريض اعضائه انفسهم لخوص معركة انتخابية مريره ، ليس من الصالح العام تحصينه اكثر من ذلك او كفالة بقائه في الحكم الي ابعد من هذا المدى "
سمو الرئيس بعد كل هذه التحليلات المنطقية والمسارات المسدودة والانزعاج الشعبي الكبير والمعارضة النيابية الدائمة ، أكرر سؤالي من جديد .. و أرجوك افهم .. وين بتروح يا سمو الرئيس ؟!!