استغربنا كثيرا تصريحات التجمع السلفي الأخيرة بخصوص استجواب الحركة الدستورية لرئيس مجلس الوزراء ، وموقفه المتشدد المعارض له ولتوقيته ..
وكان التحليل المنطقي والطبيعي الذي يهتدي إليه كل ذي عقل ولب ،أن موقف التجمع السلفي المعارض لاستجواب حدس هو من قبيل " المعارضة من أجل المعارضة " ولأن مقدمو الاستجواب هم نواب حدس" الفسقة المبتدعة حسب القناعة السلفية " .. فالصراع السلفي الاخواني هو صراع قديم أزلي انعكس على الواقع السياسي الكويتي..
ولكن هل هذا التحليل واقعي ؟؟ وماهي الشواهد التي أرشدتنا إلى هذه النظرية ؟؟
نذكر على سبيل المثال بعضها ثم نسقطها على واقعنا لنرى مدى جدواها ...
* هاجم السلف نواب الحركة الدستورية الاسلامية هجوما مكثفا في انتخابات لجان مجلس الأمة في دور الانعقاد الماضي، وأسقطوهم من رئاسة اللجان المهمة بتحالفهم المتكتك مع الحكومة والتيارات الأخرى المعادية ،وليس هناك أي مبرر لهذه الحملة الشرسة سوى العداء المستحكم الذي يكنه أعضاء التجمع الاسلفي للاخوان وفكرهم " المنحرف " كما يدعون ، أما تحليلهم للنتائج فكان تحليلا عصبيا حزبيا عندما ادعوا أن الحكومة أيقنت بأن التجمع السلفي هو التكتل الإصلاحي الذي تستطيع الاعتماد عليه .. " من الذي أعطى السلف حق الحكم على أنفسهم ، وحق احتكار مفهوم الإصلاح على جماعتهم ؟؟ "
* هاجم السلف مشروعي المصفاة والداو رغم حيوية هذه المشاريع ، ومثَل الوزير باقر دور" وزير الشطرنج" الذي يتحرك بحرية تامة بكل نجاح وفاعلية ، فشهدنا منه تنسيقاً شمل جميع المستويات النيابية الوزارية من أجل اسقاط هذه المشاريع وإفشالها ، ولانفهم سبباً مقنعاً لهذه التحركات سوى أن هذه المشاريع ولدت من صلب وزير اخواني واضح الانتماء للحركة الدستورية الاسلامية ..
* بعد أن أعلنت الحركة انسحابها وعدم رغبتها المشاركة في الحكومة القادمة ، تحرك نواب السلفي بزعامة الامام خالد السلطان حاملين لواء " البقاء للحكومة .. والفشل للاخوان " فجمعوا الكتل السياسية في اجتماعات هي الأولى من نوعها من أجل اقناعها دخول الحكومة متناسين الخلافات "الشيعية -السنية " من جهة و " الاسلامية - الليبرالية " من جهة أخرى ، هدفهم الأسمى من ذلك حرق ورقة الانسحاب الحدسي من الحكومة ومنعها من أن تكون ورقة ايجابية رابحة يلعب بها الاخوان في الانتخابات القادمة .. كما مارسوا نفس الدور البطولي عندما أعلنت حدس نيتها استجواب ناصر المحمد خلال ستة أسابيع قادمة ولنفس المرامي السابقة ..
* تراجعت الحكومة عن مشروعي المصفاة والداو بطريقة غريبة وبشكل مفاجئ بعد أربعة أيام فقط من إقرارها ، فقررت حدس إثر ذلك الانسحاب من الحكومة وعزمت على طلب تشكيل لجنة تحقيق نيابية لكشف الحقائق ومحاسبة المفسدين والمتخاذلين ..
الدور السلفي المتوقع : تنسيق واضح مع الحكومة من جهة لتشكيل لجنة تحقيق صورية لا تفي بالغرض .. وفي المقابل تنسيق شعبي سلفي لتقديم مقترح للجنة تحقيق أخرى لا تسمن ولاتغني من جوع ، والغاية من وراء كل هذه التحركات هي زيادة الخيارات أمام المجلس حتى لا تشكل لجنة التحقيق الحدسية إحراجاً لبقية النواب " ومنهم السلف " عند تجنبهم التصويت لصالحها ..
* أعلنت الحركة الدستورية منذ أيام موقفها من مقترح شراء المديونيات بالتأييد والدعم وهو موقفهم ذاته من المشروع الذي قدم في المجلس السابق .. ليأتي رد السلف السريع والخاطف برفض المشروع وعدم تأييده بحجة شرعية مفبركة كما ادعى السلطان "فتوى من الشيخ ابن عثيمين رحمة الله عليه بعدم جواز شراء الدين بالدين " ، وسرعان ما تكشفت الحقائق وانجلى الغبار ليتبين لنا جميعا أن نص الفتوى عكس ما صرح به السلطان تماما.. هذا الأمر أحرج السلف شعبيا لرفضهم المشروع أولاً ولتلفيقهم الفتوى ثانياً ، الأمر الذي هز مصداقية التجمع السلفي بين الناس، ولكن لا يهم طالما عارض موقفهم موقف الحركة الدستورية الاسلامية ..
* لم يقف الصراع عند هذا الحد ، بل تعدى كونه صراعا استراتيجيا ليكون صراعا على الشكليات كذلك ، ولأن حدس دخلت في حكومتين متعاقبتين بمنصبي نائب رئيس مجلس الوزراء لشؤون مجلس الأمة " اسماعيل الشطي " ووزير الكهرباء والماء والنفط " محمد العليم" .. أعلن التجمع السلفي على موافقته دخول حكومة المحمد الجديدة بباقر على أن يتولى إحدى هذين الحقيبتين .." ولا حول ولا قوة إلا بالله "
بعد هذا الاستعراض التاريخي لعلاقة التجمع السلفي بحدس فقط خلال أقل من ستة شهور ، لانستغرب أن تكون الخطوة التالية هي معارضة الاستجواب بكل الوسائل والحول بينه وبين نجاحه .. ولكن ..
ما يثير العديد من علامات الاستفهام حول موضوع الاستجواب بالذات ويجعلنا نشكك في هذه النظرية : أن نواب التجمع السلفي عارضوا جميع الاستجوابات السابقة المقدمة لرئيس مجلس الوزراء " ثلاثي الاستجواب - المليفي - الشعبي " واليوم حدس وتحت نفس الذريعة وهي التوقيت الغير مناسب وأن البلد في حاجة إلى الاستقرار السياسي .. على الرغم من أن التجمع عارض استمرار المحمد على رأس الهرم الحكومي منذ اليوم الأول بعد الانتخابات وكلنا يذكر الزيارة الغريبة التي قام بها السلطان لحضرة صاحب السمو أمير البلاد يطلبه من خلالها عدم التجديد للمحمد " ولا أعرف من أين جاء السلطان بهذا الحق وهذه الصلاحية ؟! " ..
إذاً معارضة الاستجواب فيها تناقض واضح من جهة ، لكن هذا التناقض ليس له علاقة بالصراع الحدسي السلفي القديم كما تبين ؟؟!! ..
إذاً ما الحكاية ؟؟ فهمونا يالسلف ؟؟
هناك تحليلين منطقيين لهذه الحالة المرضية التي يعاني منها السلف اليوم :
التحليل الأول : بأن التجمع السلفي قد أجاب على هذه التناقضات وهم صادقون في ذلك : " أن التوقيت غير مناسب ، و أن البلد في حاجة إلى استقرار سياسي" .. نعم في حاجة إلى استقرار سياسي حتى يخرج من الأزمة الاقتصادية المالية التي عانى منها التاجر والمستثمر الكبير " الهامور " قبل الصغير .. وإن أي استجواب في هذه الفترة فإنه سيكون بمثابة الطلاق البائن بين السلطتين مايجعل أي حل لهذه الأزمة المالية بعيدا عن ناظري التجمع السلفي وخصوصا السلطان " أحد الهوامير المتضررين من تداعيات الأزمة " ..
الحين فهمنا يا السلطان ..!!
لأن مستقبل شركات السطان أهم من مستقبل المواطن البسيط ،فإنهليس من أولويات التجمع السلفي النظر في قانون شراء المديونيات" بجة شرعية غير دقيقة "، لأن هذا المشروع الشعبوي قد يؤثرسلبا على مشروع قانون الانقاذ الاقتصادي " انقاذ الهوامير " ..
لأن مستقبل شركات السلطان أهم من حدس والخلاف العقدي البيزنطي، فإن التجمع السلفي لا يعارض الاستجواب الحدسي فقط ، بل وأي استجواب آخر قد يحول دون مراقبتهم اللصيقة " لخطة الانقاذ السلفي " أو.. " الهاموري " ..
لأن مستقبل شركات السلطان أهم من أي مبدأ أو توجه ، فإن باقرمستعد لأن يتنازل للتكتل الشعبي ويلبي رغباته ، ويعدل في خطة الانقاذ بما لا يتعارض والمصلحة السلطانية مقابل التأييد وعدم التوجه للمساءلة السياسية ..
التحليل الثاني : أن السلف اليوم يتمتعون بكتلة نيابية واسعة لن يحلموا بها في المستقبل بسبب تناقضاتهم ومواقفهم المتأرجحة والغير واضحة خلال الأيام القليلة الماضية ، كما يمتلكون وزيرًا فاعلاً وهو " باقر " الذي له تأثيره الكبير في القرار الحكومي المسلوب، فيكون بذلك التجمع السلفي قد أحكم قبضته على أي مشروع أو قانون قد يمر على مجلس الأمة .. ولأن هذه الفرصة الذهبية قد لا تتكرر، فإن من الطبيعي جدا أن يكون السلف اليوم أحرص ما يكون على مجلس الأمة من أي وقت مضى ، وأخوف مايكون من الحل الذي سيبدد كل آمالهم وتطلعاتهم في السيطرة .. لذلك هم لا يريدون استجواباً أو أي مساءلة قانونية ضد الحكومة وبالأخص رئيس الوزراء ، وكل ذلك على حساب إصلاح البلد وتقويم مساره ..
نعم يالسلطان .. من حقك انقاذ ما يمكن انقاذه من أملاك وشركات ومصالح ..ومن حق السلف الاستمتاع بهذه السلطة التي نالوها بانتخابات شرعية .. ولكن ليس على حساب مستقبل البلد .. فأنت مؤتمن ..